القمة العربية والإسلامية- نحو حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية

المؤلف: أحمد الجميعة11.07.2025
القمة العربية والإسلامية- نحو حل سياسي عادل وشامل للقضية الفلسطينية

الصراعات والنزاعات المسلحة في شتى بقاع العالم، مهما طال أمدها، تفضي في نهاية المطاف إلى حلول سياسية، وتمثل هذه الحلول الغاية النهائية المنشودة، سعياً لتحقيق مصالح محددة، سواء كانت آنية وقصيرة الأجل أو استراتيجية وبعيدة المدى. تتخلل هذه العملية ضغوط ومساومات مستمرة، بهدف دفع الأطراف المتنازعة إلى تقديم تنازلات متبادلة. فمن غير الممكن أن تستمر المعارك إلى ما لا نهاية دون وجود أفق سياسي واضح المعالم للتسوية، وجهود دولية منسقة ومتضافرة ترمي إلى تقديم حلول في صيغ متنوعة، بدءاً من التهدئة ومروراً بالمصالحة وانتهاءً بالاتفاق الشامل.

إن الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يمثل فصلاً مأساوياً في تاريخنا المعاصر على مدى العقود الثمانية الماضية، قد شهد في بعض منعطفاته الحاسمة توقيع معاهدات سلام تاريخية، كما حدث بين مصر والأردن. ومع ذلك، لا تزال قضايا معلقة وشائكة تتعلق بدول مثل فلسطين وسورية ولبنان عالقة على طاولة المفاوضات طيلة هذه السنوات المديدة. إن الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا التأخير والتلكؤ معروفة وواضحة للعيان، بدءاً من التعنت الإسرائيلي المعهود، ووصولاً إلى القوى الدولية الأخرى التي تجد في هذا الصراع المستمر مبرراً لوجودها ونفوذها في المنطقة، ومسرحاً خصباً لعملياتها الاستخباراتية المتنوعة.

القمة العربية والإسلامية الاستثنائية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض، قبل أيام قليلة، قدمت مبادرة طموحة وشاملة للسلام العادل في المنطقة، والتي ترتكز بشكل أساسي على الاعتراف الكامل والسيادي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس الشرقية. وقد أكد صاحب السمو الملكي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في كلمته القيمة خلال أعمال القمة على أن هذا الحل العادل يمثل حجر الزاوية لتعزيز السلام وترسيخ الاستقرار في المنطقة بأسرها.

لقد انعقدت هذه القمة التاريخية في توقيت بالغ الأهمية والحساسية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المحاصر والأراضي اللبنانية، وتداعياته الوخيمة على المنطقة والعالم أجمع. وقد كشف البيان الختامي الصادر عن القمة، والذي تضمن 38 بنداً مفصلاً، عن مشروع سلام حقيقي وجاد مع إسرائيل، وتقديم حل سياسي شامل ساهمت فيه المملكة العربية السعودية بجهود مضنية ومخلصة على مدار هذا العام، من خلال اللجنة الوزارية الخماسية المكلفة من القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية بالتواصل الفعال مع دول الاتحاد الأوروبي. وقد أثمرت هذه الجهود المباركة عن إقناع دول وازنة مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج بالإعلان الرسمي عن اعترافها بالدولة الفلسطينية المستقلة، وإطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، واستضافت المملكة العربية السعودية أول اجتماعاته في الرياض بمشاركة واسعة النطاق بلغت نحو 90 دولة ومنظمة دولية.

إن الحضور الرسمي الرفيع المستوى للقمة من قبل رؤساء الدول العربية والإسلامية وممثليهم يعكس تقديراً عميقاً لمواقف المملكة العربية السعودية الثابتة ومساعيها الحميدة في هذا التوقيت الحرج والدقيق الذي يمر به العالمان العربي والإسلامي، ودورها المحوري في رأب الصدع وإعادة الصف، وتوحيد الكلمة، وتنسيق العمل المشترك، وصولاً إلى تحقيق الهدف المنشود بالاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك الحفاظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، وإيجاد حل عادل وشامل للصراع الدائر في السودان وتخفيف تداعياته الإنسانية المؤلمة، ومواجهة التصعيد الخطير من قبل الحوثيين في البحر الأحمر وتهديد حركة الملاحة البحرية الدولية.

إن سمو ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وهو يتحدث في القمة يلخص ببراعة الواقع العربي المرير جراء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويضع الحل السياسي العادل والشامل أساساً راسخاً لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية المستمرة. فلا يمكن أن يتحقق السلام المنشود دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ولا يمكن أن يتحقق الأمن والاستقرار الدائم للمنطقة ما دام هذا الصراع الملتهب قائماً على أكثر من جبهة في العديد من الدول العربية. ولهذا، جاء خطابه متوازناً وحكيماً، حيث جمع بين إعلان الحل العادل وتقديم الأدوات اللازمة لتنفيذه، من خلال العمل العربي والإسلامي المشترك، والتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للالتزام بقرارات الشرعية الدولية، وخاصة مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة